الرئيسية / عبد الهادي بوطالب وقضايا الإسلام المعاصر: الاسلام وحقوق الانسان (19)

عبد الهادي بوطالب وقضايا الإسلام المعاصر: الاسلام وحقوق الانسان (19)


إسهامات الأفكار المثالية، والنظريات الخلقية، والمعتقدات البشرية، والأديان السماوية في ترسيخ قيم حقوق الإنسان قديمة قدم حركة الفكر الإنساني لإصلاح أوضاع الإنسان وتقويمها، وقدم المعتقدات البشرية الضاربة في عمق التاريخ، وقدم الديانات الموحدة التي نزل بها الوحي لتخليق الإنسان قصد تأهيله لممارسة خلافة الله في الأرض.

لكن ما ورد عن حقوق الإنسان في هذه المؤسسات سواء منها البشرية أو الإلهية، اختلف مستوى الاهتمام به فيها بين نظرية وأخرى، وبين معتقد ومعتقد، وبين دين ودين. فمن بينها ما اكتفى بمقاربة هذه الحقوق عن بُعد في ومضة خاطفة. ومن بينها ما اكتفى بتمجيد أسسها الخيرة كالإشادة بالعدل والمساواة والتراحم بين البشر. وكان من بينها أخرى فصلتها تفصيلا دقيقا، وطبقتها في المجتمعات التي أقامتها. وبعض الديانات أسست هذه الحقوق في نصوصها التأسيسية التي جاءت بها رسلها في كتبها المُنزلة، لكن فقه الفكر البشري، واجتهادات علماء الدين في فهم النصوص، أفرغت أحيانا هذه النصوص من محتواها عندما جردتها من صفة التعميم والمساواة، وقصرتها إما على من ينتمون إلى عرق دون آخر، أو دين دون غيره، أو على نوع واحد من الجنس البشري : نوع الرجل على حساب نوع المرأة.

من بين القضايا التي استأثرت باهتمام الأستاذ الراحل عبد الهادي بوطالب، قضايا الإسلام المعاصر. اهتمام الفقيد بهذا الموضوع، يعود من جهة إلى كونه من خريجي جامعة القرويين ، عالما علامة، ومن جهة أخرى إلى كونه تحمل مسؤولية مدير عام للمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم في مرحلة احتل فيها النقاش حول ما سمي بالصحوة الإسلامية، بعد الثورة الإيرانية، صدارة الأحداث والاهتمامات السياسية والفكرية في ذلك الوقت، حيث يجدر القول، بأن نفس القضايا مازالت مطروحة إلى اليوم، والتي خاض فيها الأستاذ عبد الهادي بوطالب بالدراسة والتحليل عبر العديد من المقالات والمحاضرات التي نشر البعض منها في كتاب من جزأين، تحت عنوان، “قضايا الإسلام المعاصر”. وهي كتابات مازالت لها راهنيتها.
وقد جعلت مجموعة من هذه النظريات والمعتقدات من تخليق الإنسان محور أفكارها وتوجهاتها، كما جعلت منه الديانات الإبراهيمية الثلاث محور رسالتها التي جاء بها الرسل فيما أُنزل إليهم من الكتب. وتميزت الرسالات السماوية بالاضطلاع بتأهيل الإنسان ليحيا حياتين طيبتين في عالمي الشهادة والغيب، في دار الدنيا الفانية، ودار الخلد الباقية. وحددت حقوقه في الدنيا بجانب ما منحه الله له من حقوق في الآخرة.
وفي أغلبية المؤسسات المشار إليها لم تُحصَر حقوق الإنسان في جرد جامع، وعُني بعضها بنوع من الحقوق دون أخرى. كما لم تُرتب هذه الحقوق في أولويات، أو تُصنف بين حقوق أساسية وأخرى فرعية، ولم يُشَرﱢع لها في بعض المؤسسات ضمانات كفيلة بصيانتها وعدم المس بها. لكن بعض الديانات كالإسلام حددت لهذه الحقوق ضماناتها، عندما جعلت من هذه الحقوق حقوق البشر، وفي الوقت نفسه حقوق الله على عباده –فالمس بها مسﱣ بالله وتمرد على طاعته، -وعندما رتبت على الإخلال بها عقوبات جزائية في الدنيا بجانب عقاب الآخرة. وسنرى كل ذلك عندما نعرض لحقوق الإنسان في الديانات الإبراهيمية الثلاث.

1-حقوق الإنسان في النظريات والمعتقدات القديمة :
وقد ارتأينا بمناسبة شهر رمضان المبارك، أن ننشر على حلقات بعضا من هذه المقالات المنشورة في الكتاب المذكور أو غيره، تعميما للفائدة ومساهمة منا في نشر فكر عبد الهادي بوطالب الذي يعد من رواد الفكر الإسلامي التنويري.
-تميهد :

كانت لعدد من الحضارات الشرقية القديمة توجهات فكرية نحو حقوق الإنسان ممتزجة بتعاليم معتقداتها، مثل الحضارات الصينية (الكونفوسيوشية) والفارسية (الزرادشية) والهندية من هندوسية(ويطلق عليها اسم سانتاندرا أي الديانة القديمة الأزلية) وبوذية. وهذه الأخيرة ظهرت قبيل ألفى سنة قبل الميلاد على الأقل عند أكثرية المؤرخين، وإن كان بعضهم أكد وجودها قبل هذا التاريخ، على حسب الاختلاف في تاريخ ميلاد ووفاة بوذا، والاختلاف حول أول بوذا ظهر في شمال الهند.

ولا تستقيم الحياة في رحلة عمر الإنسان فوق الأرض إلا إذا كانت له حقوق تصون كرامته وتوفر له الشروط الموضوعية لإدارة الأرض التي استخلفه الله عليها، بما يضمن حسن إعمارها وتدبير شؤونها، إذ بتمتعه وممارسته لحقوقه يصبح صالحا مؤهلا للقيام بالأمانة التي عهد الله بها إليه. وقد جاء في القرآن : “أن الأرض يرثها عبادي الصالحونَ” (سورة الأنبياء، الآية 105) أي المؤهلون لعمارتها ورعايتها.
الإسلام وثقافة حقوق الإنسان وإسهام الديانات والمعقتدات في ترسيخ قيم حقوق الإنسان
الحلقة (19)

عن y2news

اترك تعليقاً