الرئيسية / عبد الهادي بوطالب وقضايا الإسلام المعاصر: نظام الشورى وشكل الحكم (7)

عبد الهادي بوطالب وقضايا الإسلام المعاصر: نظام الشورى وشكل الحكم (7)


ومن رعاية حقوق الأمة تدعيم وترسيخ نظام الشورى، فلا يجوز للحاكم تعطيله أو تحريف محتواه عما قُصد منه من توفير جو الحوار المثمر بين طرفي الحكم ومساهمة الرعية في التقرير، وتمكينها من تنفيذ المقررات عن طواعية ورضى.
الحلقة (7)
يؤكد القانون الدستوري على مبدأ فصل السلط بوصفه عاصما من استبداد السلطة. ولذلك تتعدد السلط في الأنظمة السياسية الديمقراطية المعاصرة، ومعها تتعدد المؤسسات الممارسة لجزء من السلط حتى لا تجتمع في يد واحدة، عملا بمبدأ مونتيسكو : “السلطة تحدﱡ السلطة”.

إن الحاكم الإسلامي مسؤول مرتين : مسؤول أمام ربه في جميع ما يأتي وما يذر. وتلك هي الرقابة الباطنية. وهو مسؤول أمام الأمة وملزم باستشارتها وتلك هي الرقابة الشعبية.
وقد ارتأينا بمناسبة شهر رمضان المبارك، أن ننشر على حلقات بعضا من هذه المقالات المنشورة في الكتاب المذكور أو غيره، تعميما للفائدة ومساهمة منا في نشر فكر عبد الهادي بوطالب الذي يعد من رواد الفكر الإسلامي التنويري.
ويختلف فصل السلط بين نظام وآخر، بحيث يقوي في بعض الأنظمة ويضعف في أخرى. فإذا كان تطبيقه في النظام الرئاسي يجري بحدة ولكن بدون قطيعة، فإنه يطبق في النظام البرلماني في شكل تعاون متوازن. بيد أن الاتجاه المعاصر اليوم هو رجحان سلطة التنفيذ على سلطة التشريع، لتضمن الحكومة لنفسها وسائل عملها. وفي ذلك تغيير جوهري لمفهوم فصل السلط القديم الذي كانت ترجح فيه سلطة التشريع، حتى سمي عهده عهد السيادة البرلمانية.

إن رعاية حقي الاختيار والشورى في صالح الحكم نفسه. فمهما رعاهما الحاكم حصن حكمه ضد وقوعه في المتاهات، وشعبَه ضد الانزلاق في المغامرات، وجنب المجتمع التردي في الهزات التي تنتج عن أزمة الثقة.

أما الإسلام فله مفهوم متميز في توزيع السلط، إذ السلطة الأولى فيه يمارسها الخليفة بعد البيعة التي تخوله رئاسة عامة المسلمين لإقامة أحكام الشرع الإسلامي، إلا أنه لا يملك إلا جزءا من السلطة التشريعية، أي في الأحكام الفرعية التي لم يرد فيها نص من الكتاب والسنة، باستشارة مع المجتهدين الذين يستنبطون الأحكام التفصيلية من منابع التشريع. فالتشريع في الإسلام لا يختص به منتخبو الأمة أعضاء المجلس (برلمان أو مجلس نواب) كما هو الشأن في التنظيم السياسي الحديث، بل يختص فيه أهل العلم، لذلك تسمى الحكومة الإسلامية حكومة العلماء، فالخبراء في فن الحكم هم أهل الحل والعقد في الإسلام.
وكل رأي أوخطة أجمع عليهما أهل الشورى يصبحان رأي الأمة وخطتها. وعلى الحاكم أن يسهر على تنفيذهما. وإن وقع الخلاف بينه وبين هيأة الشورى احتكم الطرفان إلى مقاييس الشرع الذي هو أسمى سلطة. “فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول” (قرآن كريم).

نظام الشورى وشكل الحكم

من بين القضايا التي استأثرت باهتمام الأستاذ الراحل عبد الهادي بوطالب، قضايا الإسلام المعاصر. اهتمام الفقيد بهذا الموضوع، يعود من جهة إلى كونه من خريجي جامعة القرويين ، عالما علامة، ومن جهة أخرى إلى كونه تحمل مسؤولية مدير عام للمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم في مرحلة احتل فيها النقاش حول ما سمي بالصحوة الإسلامية، بعد الثورة الإيرانية، صدارة الأحداث والاهتمامات السياسية والفكرية في ذلك الوقت، حيث يجدر القول، بأن نفس القضايا مازالت مطروحة إلى اليوم، والتي خاض فيها الأستاذ عبد الهادي بوطالب بالدراسة والتحليل عبر العديد من المقالات والمحاضرات التي نشر البعض منها في كتاب من جزأين، تحت عنوان، “قضايا الإسلام المعاصر”. وهي كتابات مازالت لها راهنيتها.

ولا تعني الاستشارة الاقتصار على تسجيل الآراء دون العمل بها، ولا حرية التصرف الكاملة في انتقاء ما يراه الحاكم صالحا ومفيدا منها، بل هناك معايير موضوعية للترجيح. إن عملية الشورى عملية مشاركة للمستشارين في تهيئ عناصر القرار لتترتب على ذلك متابعة التنفيذ بجانب الحاكم.
إن الإسلام لا يفصل بين السلط، ولكن يحدد فقط مجالات وظيفة السلطة. وربما كان اهتمام الفقه الدستوري بفصل السلط كان راجعا إلى أن سلطة التشريع سلطة رهيبة لا يجوز أن تضاف إليها سلطة أخرى قد تجعل من هيأة التشريع هيأة طاغية، بينما معظم التشريع الإسلامي ليس في يد الحاكمين بل هو مدون في القرآن والسنة.

لضبط مقتضيات رعاية المسؤولية أقام الإسلام نظام الحكم على “الشوري” التي تشرك الرعية في التقرير والتنفيذ.

وفي عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم تكن هناك سلطات بل سلطة واحدة. وعندما مات الرسول حدثت انحرافات وظهر مصدر آخر للتشريع هو الرأي، يختص به الذين وصلوا إلى امتلاك قدرة الاجتهاد. ولما تطور المجتمع الإسلامي تطورت السلطة الحاكمة إلى ولايات متعددة، منها ولاية سنﹼ القوانين، وولاية القضاء، وولاية التنفيذ. وتختص كل ولاية بمصالح تابعة لها وفق الشروط المعمول بها.
ولم يحدد الإسلام للشورى نظاما معينا لكون رسالته عالية مدعوة للتطبيق في كل زمان ومكان. فالإسلام يقتصر في تشريعاته وتنظيماته على توضيح المبادئ وتعيين الأصول ويترك تفاصيل تطبيقاتها لظروف كل مجتمع وعصر. وهو لا يقر للحكم شكلا معينا جمهوريا أو ملكيا أو أميريا، فالعبرة في الإسلام بالمحتوى والمضمون.
1- الإسلام ومبدأ فصل السلط :

ولا شئ يتنافى في الإسلام مع تنظير عصري يقوم على اختيار هيأة لممارسة السلطة التشريعية بشرط أن تضم من تتوفر فيهم صفات الاجتهاد من المتخصصين في جميع مرافق التشريع، وخاصة العارفين بأسرار التشريع الإسلامي ودقائق أغراضه.

2- الدولة في الإسلام :

عن y2news

اترك تعليقاً