الرئيسية / عبد الهادي بوطالب وقضايا الإسلام المعاصر: الاجتهاد في عصر المذاهب والتدوين (14)

عبد الهادي بوطالب وقضايا الإسلام المعاصر: الاجتهاد في عصر المذاهب والتدوين (14)


وقد ارتأينا بمناسبة شهر رمضان المبارك، أن ننشر على حلقات بعضا من هذه المقالات المنشورة في الكتاب المذكور أو غيره، تعميما للفائدة ومساهمة منا في نشر فكر عبد الهادي بوطالب الذي يعد من رواد الفكر الإسلامي التنويري.
الحلقة (14)
وقد شاع في تقييم أعمالهم الاجتهادية أن الإمام مالكا كان يأخذ بالحديث، وأن أبا حنيفة كان يأخذ بالرأي. ولا ينبغي أن يُحمل هذا الحكم على إطلاقه، فالمجتهدون جميعا أخذوا بالحديث والرأي معا، ولم يكونوا يأخذون بالرأي إلا عندما كانوا لا يجدون نصا من القرآن والسنة. ومرجع هذه المقولة أن مالكا كان أكثر اطلاعا على الحديث، فكان لا يحتاج كثيرا إلى القياس، بينما استعمل أبو حنيفة القياس بكثرة حتى لقد قال عنه أحمد أمين في الحزء الثاني من كتابه “ضحى الإسلام” : “كان أبو حنيفة قياسيا سلك في القياس مسلكا فاق به كل من سبقه”.

وقد ذكرنا تحديد زمنه بداية ونهاية في المقدمة أعلاه. ويُعرف بعصر المجتهدين، وعصر ازدهار الفقه، وعصر الفقه الذهبي. وهو عصر ازدهرت فيه الحركة العلمية وتنامى فيه الاجتهاد، ودخلت فيه إلى العالم الإسلامي علوم جديدة كعلمي الفلسفة والمنطق، وغلب على علمائه المناظرة والجدل، وأخضع فيه بعض المجتهدين –ممن يُدعوْن بالمتكلمين- الفكر لقواعد علم الكلام وفلسفته. وقد برزت فيه أسماء ثلاثة عشر فقيها مجتهدا مرموقا هم الذين دُونت مذاهبهم في كتب. ومن بينهم الأئمة السنيون المجتهدون الأربعة : مالك بن أنس بالمدينة، وأبو حنيفة النعمان بن ثابت بالكوفة، وأبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي بمصر، وأحمد بن محمد بن حنبل ببغداد.
 
وقد تحدث أبو حنيفة نفسه عن طريقته في الاجتهاد فقال : “إني آخذ بكتاب الله إذا وجدته، فما لم أجده فيه أخذت بسنة رسول الله (ص) والآثار الصحاح التي فشت في أيدي الثقات، فإذا لم أجد في كتاب الله ولا سنة رسول الله أخذت بقول أصحابه من شئت، وأدع من شئتُ، ثم لا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم. فإذا انتهى الأمر إلى إبراهيم والشعبي والحسن وابن سيرين وسعيد ابن المسيب –وعدﱠ رجالا قد اجتهدوا-، فلي أن أجتهد كما اجتهدوا”. وهكذا كان هذا الإمام لا يأخذ بالرأي إلا بعد استنفاد طرق الاجتهاد لاستنباط الأحكام من أصولها بما في ذلك قول الصحابي.

من بين القضايا التي استأثرت باهتمام الأستاذ الراحل عبد الهادي بوطالب، قضايا الإسلام المعاصر. اهتمام الفقيد بهذا الموضوع، يعود من جهة إلى كونه من خريجي جامعة القرويين ، عالما علامة، ومن جهة أخرى إلى كونه تحمل مسؤولية مدير عام للمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم في مرحلة احتل فيها النقاش حول ما سمي بالصحوة الإسلامية، بعد الثورة الإيرانية، صدارة الأحداث والاهتمامات السياسية والفكرية في ذلك الوقت، حيث يجدر القول، بأن نفس القضايا مازالت مطروحة إلى اليوم، والتي خاض فيها الأستاذ عبد الهادي بوطالب بالدراسة والتحليل عبر العديد من المقالات والمحاضرات التي نشر البعض منها في كتاب من جزأين، تحت عنوان، “قضايا الإسلام المعاصر”. وهي كتابات مازالت لها راهنيتها.

وقد ذكر الشعراني في الميزان أن أبا حنيفة قال أيضا : “كذب والله من افترى علينا فقال إننا نقدم القياس على النص. وهل يُحتاج بعد النص إلى قياس؟” كما نقل الشعراني في نفس الكتاب عن أبي حنيفة قوله : “نحن لا نقيس إلا عند الضرورة الشديدة. وذلك أننا ننظر في دليل المسألة من الكتاب والسنة أو أقضية الصحابة، فإن لم نجد دليلا قسنا حينئذ مسكوتا عنه على منطوق به”.
الاجتهاد في عصر المذاهب والتدوين

عن y2news

اترك تعليقاً