الرئيسية / عبد الهادي بوطالب وقضايا الإسلام المعاصر: الاسلام وحقوق الانسان (21)

عبد الهادي بوطالب وقضايا الإسلام المعاصر: الاسلام وحقوق الانسان (21)


الإسلام وحقوق الإنسان

وإذا كان وصف الغرب لهذه الحقوق بالطبيعية يترتب عليه –تشريعا وممارسة- بقاء هذه الحقوق مصونة، فإن وصفها في الإسلام بالإلهية وإطلاق اسم حقوق الله عليها، يعطيانها ضمانة أقوى وأرسخ، إذ ما يعطيه البشر لنفسه بإرادته قابل للتغيير بنفس الإرادة. أما ما يمنحه الله بإرادته للبشر فله صبغة الدوام، وهو من الثوابت التي لا يمسها التغيير. وهذا ما يشكل الضمانة الكبرى لاستمرارية تمتع الإنسان بهذه الحقوق. أما حقوق الإنسان كما هو متعارَف عليها اليوم في المجتمع الدولي، فما تزال تفتقد الضمانات القانونية لحمايتها من المس بها، إذا استثنينا بعض الآليات التي أخذ المجتمع الدولي يستحدثها لمعاقبة من يُخِلون بها، كمحاكمة مجرمي الحرب ومرتكبي جرائم ضد الإنسانية.
وبنى الإسلام هذه القيمة على قاعدة تكريم الله للإنسان بنوعيه الذكر والأنثى كجنس عالمي في المطلق، فلا أحد ولا شئ يعلو فوق الأرض الجنسَ البشري عامة ويفضُله. وجاءت هذه الوحدة الإنسانية العالمية في آية : “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا” (سورة الحجرات، الآية 13)، فالجنس البشري وحدة متنوعة تفرقت فصائلها، لكن توحدت في الإنسانية لتتعارف، وتستفيد كل فصيلة من عطاء أختها الأخرى.
من بين القضايا التي استأثرت باهتمام الأستاذ الراحل عبد الهادي بوطالب، قضايا الإسلام المعاصر. اهتمام الفقيد بهذا الموضوع، يعود من جهة إلى كونه من خريجي جامعة القرويين ، عالما علامة، ومن جهة أخرى إلى كونه تحمل مسؤولية مدير عام للمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم في مرحلة احتل فيها النقاش حول ما سمي بالصحوة الإسلامية، بعد الثورة الإيرانية، صدارة الأحداث والاهتمامات السياسية والفكرية في ذلك الوقت، حيث يجدر القول، بأن نفس القضايا مازالت مطروحة إلى اليوم، والتي خاض فيها الأستاذ عبد الهادي بوطالب بالدراسة والتحليل عبر العديد من المقالات والمحاضرات التي نشر البعض منها في كتاب من جزأين، تحت عنوان، “قضايا الإسلام المعاصر”. وهي كتابات مازالت لها راهنيتها.
الإسلام ثورة تحريرية للإنسان ونظام عالمي جديد حرر الإنسان من سلطة الأرض وأخضعه فقط لسلطة السماء، واتخذ له شعار الله أكبر. فالله ليس له أب ولا ولد “لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد”. هو غير مشخص لا في ابن، ولا في صنم منحوت، أو صليب مصنوع، أو كهنوت بشري يحكم فوق الأرض باسم الله. والناس جميعا متساوون، فهم عباد الله أو عبيده. وهذا التوحيد الكامل، واللاتشخيص الشامل هما اللبنتان الأوليان في صرح تكريم الله للإنسان ورفع قيمته، إذ ارتقى به عن عبادة نظيره، أو ما صنعت يداه، أو ما تشخصه الأبصار في عالم الشهادة. “لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير” (سورة الأنعام، الآية 103).

ولقد بلغ التنظير الإسلامي لربط حقوق الله وحقوق الإنسان برباط واحد إلى حد التحام الحقين وتشابكهما، مما يصعب معه إقامة حدود فاصلة بينهما. إن كفالة حق الله لضمان هذه الحقوق لا تنفصل عن كفالة حق عباده بممارستها.
أما تكريم جنس الإنسان في المطلق فقد جاء في آية : “ولقد كرمنا بني آدم”، (سورة الإسراء، الآية 70) هذا الإنسان الذي استخلفه الله على الأرض بصرف النظر عن جنسه ودينه وهُويته وخصوصيته. كل بني آدم مكرﱠﱠمون من الله، من آمن منهم به، ومن لم يؤمن به، من أحسن منهم ومن أساء، لكنهم يتفاضلون ويتعامل الله معهم على مقاييس التقوى وطاعته والتحلي بالفضيلة. والله في عطائه المتواصل لإسعاد البشرية، لا يحرم من هذا العطاء المادي لا كافرا ولا ملحدا ولا مذنبا “كلا نُمِدﱡ، هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا” (سورة الإسراء، الآية 20) وهذا مدخل إلى حق المساواة الذي جاء به الإسلام وأغنى مضامينه.
وللإسلام تجاه حقوق الإنسان تنظير خاص، فهو يعتبرها حقوقا للبشرية وحقوق الله أيضا. إن تخويلها لعباده كافة وبدون تمييز بينهم ولا تفريق، ممارسة من الله لحقوقه، وممارستها منهم ممارسة لواجب مصدره الحق الإلهي. واحترامها وصونها وعدم المس بها واجب على الإنسان. والإخلال بها إخلال بالحق الإلهي، إذ الله هو مالك هذه الحقوق، وواهبها للبشر، طبقا لمبدأ تكريمه للبشر، ولتخويله الإنسان حق استخلافه، والنيابة عنه في الأرض.

الحلقة (21)
وقد ارتأينا بمناسبة شهر رمضان المبارك، أن ننشر على حلقات بعضا من هذه المقالات المنشورة في الكتاب المذكور أو غيره، تعميما للفائدة ومساهمة منا في نشر فكر عبد الهادي بوطالب الذي يعد من رواد الفكر الإسلامي التنويري.
كفل الإسلام حقوق الإنسان منذ تصوره جنينا بجسد وروح في بطن أمه. وقد منع الإخلال بحقوقه التي يصبح مستمدا لها منذ التكوين. وتبتدئ بحقه في الحياة وهو جنين، فإجهاضه حرام، وهو من باب قتل النفس التي حرم الله قتلها. وأعطى الجنين حق العناية به والمحافظة عليه، ووضع عقوبات على أمه إذا أخلت بحسن تعهده وتربيته. وإلى أن تضع المرأة حملها، لا تُقسَم تركة أب الجنين إلا بعد وضعه من أمه، ليأخذ نصيبه من تركة أبيه. ثم أعطاه منذ الولادة حق إرضاعه وعلاجه والنفقة عليه من والديه إلى أن يبلغ، وأوجب على والديه في مختلف مراحل العمر تربيته، وتعليمه، وتدريبه على الشعائر الدينية كأداء الصلاة، لكن لا يصح من والديه إكراهه على الصوم والحج قبل أن يكتمل نموه.

عن y2news

اترك تعليقاً